لا أملك لكم اليوم غير الدموع والعرق والدم والألم
ونستون تشيرتشل
كان نيفيل تشيمبرلين رئيساً لوزراء بريطانيا في فترة حرجة من عام 1937 إلى 1940 كان فيها العالم على وشك الانفجار وكان صديقنا تشيمبرلين رجلاً ميّالاً للسلم في وقت كان العالم يغلي فيه وذلك بعد أن قام هتلر بضم إقليم السوديت الذي خسرته ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وكان هذا الضم عبارة عن إعلان حرب على أوروبا بأكملها. قام تشيمبرلين بتوقيع معاهدة ميونخ والتي تنص على إقرار ما قام به هتلر وقبول ضم لإقليم السوديت على أن يقف هتلر عند هذا الحد في محاولة من تشيمبرلين لتهدئة الأوضاع حيث كان لديه تصور لمعالجة الأوضاع الداخلية في بريطانيا وليس معالجة مشاكل أوروبا، كان أتوجه العام في بريطانيا هو عكس ذلك تماماً حيث شعر الناس بأن هذه المعاهدة هي ضعف واستسلام للتوسع النازي وعلى الأخص الطبقة التي عاشت فترة توسع بريطانيا التي رأت أن تتدخل بريطانيا في حل مشاكل أوروبا، انْتُقِدَ تشيمبرلين على هذا التصرف وقررت الجموع البريطانية على اسقاط حكومة تشيمبرلين واستبداله ببديل شرس وقاس لمواجهة التوسع النازي يقال له ونستون تشيرتشل، عندها شكل حكومته وقال خطابه الشهير في مجلس العموم والذي قدم فيه مشروعه القادم حيث قال ” لا أملك لكم اليوم غير الدموع والعرق والدم والألم” في إشارة للمرحلة الخطيرة القادمة وهذا ما يريده التوجه العامة بإعلان الحرب
بعد أن انتصر مشروع تشيرتشل وانتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وأصبح تشيرتشل بطل حرب والشخصية الأولى في بريطانيا والعالم وأصبح تشيرتشل ملهم لكل بريطاني آنذاك، انتهت الحرب وابتدأ وقت السلم والذي تطلب مشروع إصلاحات ما بعد الحرب، عندها احتاج الوقت وجود شخص ليس برجل حرب، فأسقط الشعب حكومة تشيرتشل ولم يفز بأغلبية لأنه ببساطة لا يصلح لهذا الوقت، في الديمقراطيات العريقة لكل زمن مشروع ولكل مشروع شخص قادر على إنجازه، عندما نأخذ هذه الحادثة التي سردتها ونسقطها على الحالة الكويتية الآن نَخْلُص إلى نتيجتين إثنين الأولى أن الديمقراطية تلزمنا بقبول النتيجة مهما كانت مرة والثانية أن السقوط ليس تأديب ولا “دعس” كما يظنه البعض من زملائي المواطنون “الغلابا”، بل أن المشروع المقدم قد لا يصلح لهذا الوقت أو أن الغالبية لا تراه مناسباً لها فينجح البديل، طبعاً أتحدث هنا عن الديمقراطيات العريقة وليس ديمقراطيتنا ذات الطبيعة الخاصة “السبشل” ، سقط تشيمبرلين وسقط تشيرتشل ولم يسجل التاريخ أي حالة تأديب ولا حالة “دعس” ولم يسرج فيها أي خيل! بل كانت العملية تبادل أدوار ومشاريع فقط.
الحالة الديمقراطية في الكويت أشبه بمباراة كرة قدم بين فريقين ونحن المشاركون عبارة عن متفرجين ومتحمسين أحياناً “زيادة عن اللزوم” فلا أستغرب الأهازيج والرقصات من قبل أنصار المرشحين وسماع مفردات مثل “يابوه يابوه تراهم يابوه” و “محد يطوله” و “جبنا الكرسي طرق على خشومكم” و ” محشوم” مكرسين فيها ممارسة غريبة وهي أن الكرسي عبارة عن تشريف وليس تكليف! وأن العمل النيابي حمله مكروه وليس وجاهة ومال، عند سرد واستعراض الحالة الكويتية في تاريخها الذي ليس ببعيد أن الشعب أسقَط الدكتور أحمد الربعي في مرحلة ما وخَذَل الدكتور عبد الله النفيسي في مرحلة أخرى وهؤلاء أسماء ثقيلة في السياسة الكويتية وجميعاً حملوا مرئيات وتصورات مهمة آنذاك ، ولكن مجدداً الوعي هنا ليس المعيار في الاختيار.. فلا أستغرب أن يُسقِط زملائي المواطنون ” الكويسين” مشروع “وثيقة الكويت” الذي حمله الفاضل الدكتور عبيد الوسمي وقدمه للقيادة الفاضلة وللشعب، هذه الوثيقة هي بمثابة أمر حتمي وتكاد تكون الوثيقة الأهم في تاريخ الكويت الحديث، وثيقة تحمل مشروعاً متكاملاً قد لا يكون الحل الأمثل للحالة الكويتية، ولكن على الأقل كانت مجموعة خطوات صحيحة في الاتجاه الصحيح، أن يأتي لنا من يحمل هذه الرؤية كان لزاماً علينا أن ندعمه إلى آخر مدى.. أن يأتي مشروع كهذا كان أمراً منطقياً أن ننحاز له خصوصاً أنه لا يوجد مشروع بديل له إلى لحظة كتابة هذا المقال! عبيد لم يسقط لكن الآلية الواقعية لتنفيذ المشروع الذي حمله سقطت! عبيد ليس مجرد شخص.. عبيد حالة نحتاج وجودها..حالة لا بد أن تستحث حالات أخرى بمشاريع أخرى..حالة ستستمر وتستمر
شكراً عبيد الوسمي
كتبه
فهد العنزي
7\6\2023